الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأن تكون من الدَّالِّ، والدَّالَّةَ، وهي الجُرْأة أي: فَجَرَّأهما قال: [الوافر] وعلى الثاني [يكون] الأصل دَلَّلَهُمَا، فاستثقل توالي ثلاثةِ أمثال فأبدلت الثَّالث حرف لين كقولهم: تَظنَّيْتُ في تظَّننْت، وقَصَّيْتُ أظْفَاري في قَصَصْتُ.وقال: [الرجز] قوله: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة}الذَّوْقُ وجود الطَّعْمِ بالفَم، ويعبر به عن الأكل وقيل: الذَّوْقُ مَسُّ الشَّيْءِ باللِّسانِ، أو بالفَمِ يُقَالُ فيه: ذاق يَذُوقُ ذُوْقًا مثل صَامَ، يَصُومُ صَوْمًا، ونَامَ يَنَامُ نَوْمًا.وهذه الآية تدل على أنهما تناولا البُرَّ قَصْدًا إلى معرفة طعمه، ولولا أنَّهُ تعالى ذكر في آية أخرى أنَّهُمَا أكلا منها لكان ما في هذه الآية لا يدُلُّ على الأكل؛ لأنَّ الذَّائِقَ قد يكونُ ذَائِقًا من دون أكل.قوله: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} أي ظهرت عَوْرَتُهُمَا وزال اللِّبَاسُ عنهما.قوله: {وطَفِقَا} طَفِقَ من أفعال الشُّرُوعِ كأخَذَ وجعل، وأنْشَأ وعلَّق وهبَّ وانبرى، فهذه تَدُلُّ على التَّلَبُّسِ بأوَّلِ الفِعْلِ، وحكمها حكم أفْعَالِ المُقاربَةِ من كون خبرها لا يكون غلاَّ مُضَارِعًا، ولا يجوز أن يقترن بأن لمنافاتها لها؛ لأنها للشُّروع وهو حال وأنْ للاستقبال، وقد يقعُ الخبرُ جملة اسمية كقوله: [الوافر] وشرطيَّة كإذا كقوله عمر: فَجَعلَ الرَّجُلُ إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا.ويقال طَفِقَ بفتح الفاء وكسرها، وطَبِقَ بالباء الموحدة أيضًا، والألف اسمها، و{يَخْصَفَان} خَبَرُهَا.وقرأ أبُوا السمالِ: {وطَفَقَا} بفتح الفاء.وقرأ الزُّهْرِيُّ: {يُخْصِفَانِ} بضم حرف المضارعة من أخْصَفَ وهي تحتمل وجهين:أحدهما: ان يكون أفْعَلَ بمعنى فَعَلَ.والثاني: أن تكون الهَمْزَةُ للتَّعْديَة، والمَفْعُولُ على هذا مَحْذُوفُ، أي: يُخْصِفَانِ أنفسهما، أي: يَجْعلانِ أنفسَهُمَا خاصِفَيْنِ.وقرأ الحسنُ، والأعرجُ ومُجاهِدٌ وابْنُ وثَّابٍ {يَخِصِّفانِ} بفتح الياء وكسر الخاء، والصَّاد مشدودةٌ، والأصْلُ يَخْصِفَانِ، فأدغمت التَّاءُ في الصَّادِ، ثم اتْبعت الخَاءُ للصَّادِ في حركتها، وسيأتي نظيرُ هذه القراءة في يُونس ويس نحو {يهدي} [يونس: 35] و{يَخِصِّمُونَ} [يس: 49].وروى مَحْبُوبٌ عن الحسنِ كذلك إلاَّ أنَّهُ فتح الخاء، فلم يُتْبِعْها للصَّادِ وهي قراءةُ يعقوب وابْنِ بُرَيْدَةَ.وقرأ عبد الله: {يُخُصِّفان} بضمِّ الياءِ والخَاءِ وكسر الصَّادِ مشدودة وهي من خَصِّفَ بالتَّشديد، إلاَّ أنَّهُ أتبع الخاء للياء قبلها في الحركةِ، وهي قراءة عَسِرةُ النُّطْقِ.ويَدُلُّ عل أنَّ أصْلها مِنْ خَصَّفَ بالتَّشديدِ قِراءةُ بعضهم {يُخَصِّفان} كذلك، إلاَّ أنَّهُ بفتح الخاء على أصلها.والخصفُ: الخَرْزُ في النِّعالِ، وهو وَع طريقة على أخرى وخرْزهما، والمِخْصَفُ: ما يُخْصَفُ به، وهو الإشفَى.قال رُؤبَةُ: [الكامل] والخَصْفَةُ أيضًا: الحُلَّةُ للتَّمْر، والخَصَفُ: الثِّيابُ الغَلِيظَةُ، وخَصَفْتُ الخَصْفَةَ: نَسَجْتُهَا، والأخْصَف: الخَصِيفُ طعام يبرق، وأصْلُهُ أن يُوضَعَ لَبَنٌ ونحوه في الخَصْفَةِ فَيتلوَّنُ بلونها.وقال العبَّاسُ يمدحُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: [المنسرح] يشير إلى الجَّنَّةِ أي حَيْثُ يخرز، ويطابق بعضها فوق بعض.قوله: {عليهما}قال أبُو حيَّان: الأَوْلى أن يعود الضَّمِيرُ في {عليهما} على عَوْرَتَيْهِمَا، كَأنَّهُ قيل: يَخْصِفَانِ على سَوءأتيهما، وعاد بضمير الاثنين؛ لأنَّ الجمع يُرَادُ بن اثنان.ولا يَجُوزُ أن يعود الضَّميرُ على آدَمَ وحوَّاءَ؛ لأنَّهُ تَقرَّرَ في علم العربيَّةِ أنَّهُ لا يتعدَّى من فعل الظَّاهِر والمُضْمَرِ المتَّصل إلى الضمير المتصل إلى الضمير المتصل المنصوب لفظًا أو مَحَلًا في غير باب ظَنّ، وقَعَدَ وعَدمَ، ووَجَد لا يجُوزُ زيد ضربه، ولا ضَرَبَهُ زيد، ولا زَيْدٌ مَرَّ به، ولا مَرَّ به زيدٌ، فلو جعلنا الضَّمِيرَ في {عَلَيْهِمَا} عائدًا على آدم وحوَّاءَ لَلَزِمَ من ذلك تعدِّي يَخْصِفُ إلى الضَّميرِ المنصوب مَحَلًا، وقد رفع الضَّمير المتَّصِل، وهو الألف في {يَخْصِفَانِ}، فإن أخِذَ ذلك على حَذْفِ مُضافٍ مراد؛ جَازَ ذلك، تقديره: يَخْصِفانِ على بَدَنَيْهِمَا.قال شهابُ الدِّين: ومثل ذلك فيما ذكر {وهزى إِلَيْكِ} [مريم: 25].{واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: 32].وقول الشاعر: [المتقارب] وقوله: [الطويل] قوله: {مِنْ وَرَقِ} يحتملُ وَجْهَيْنِ:أن تكون {مِن} لابتداء الغايةِ وأن تكون للتَّبعيضِ.و{نَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} لم يصرِّحْ هنا باسم المنادى للعلم به.وقوله: {أَلَمْ أنْهَكُمَا} يجوزُ أن تكون هذه الجُمْلَةُ التقديريَّةُ مفسِّدة للنداء لا محلّ لها ويحتمل أن يكُونَ ثَمَّ قول مَحْذُوفٌ، هي مَعْمُولَةٌ له أي: فقال: لم أنْهَكُمَا.وقال بعضَهُم: هذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ بقولٍ مُقدَّرٍ ذلك القَوْلُ حال تقديره: وناداهما قَائِلًا ذلك.و{لَكُمَا} متعلِّقٌ بـ {عَدُوّ} لما فيه من معنى الفِعْل، ويجوز أن تكون متعلِّقة بمَحْذُوفٍ على أنها حالٌ من {عَدٌوّ}؛ لأنَّهَا تأخّرَتْ لجاز أن تكون وصفًا. اهـ. باختصار.
|